سورة الشورى - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشورى)


        


{مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)}
قوله تعالى: {مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} الحرث العمل والكسب. ومنه قول عبد الله بن عمر: وأحرث لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. ومنه سمى الرجل حارثا. والمعنى: أي من طلب بما رزقناه حرثا لآخرته، فأدى حقوق الله وأنفق في إعزاز الدين، فإنما نعطيه ثواب ذلك للواحد عشرا إلى سبعمائة فأكثر. {وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا} أي طلب بالمال الذي آتاه الله رئاسة الدنيا والتوصل إلى المحظورات، فإنا لا نحرمه الرزق أصلا، ولكن لا حظ له في الآخرة من ماله، قال الله تعالى: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً} [الاسراء: 19- 18].
وقيل: {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} نوفقه للعبادة ونسهلها عليه.
وقيل: حرث الآخرة الطاعة، أي من أطاع فله الثواب.
وقيل: {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} أي نعطيه الدنيا مع الآخرة.
وقيل: الآية في الغزو، أي من أراد بغزوة الآخرة أوتي الثواب، ومن أراد بغزوة الغنيمة أوتي منها. قال القشيري: والظاهر أن الآية في الكافر، يوسع له في الدنيا، أي لا ينبغي له أن يغتر بذلك لان الدنيا لا تبقى.
وقال قتادة: إن الله يعطي على نية الآخرة ما شاء من أمر الدنيا، ولا يعطي على نية الدنيا إلا الدنيا.
وقال أيضا: يقول الله تعالى: من عمل لآخرته زدناه في عمله وأعطيناه من الدنيا ما كتبنا له ومن آثر دنياه على آخرته لم نجعل له نصيبا في الآخرة إلا النار ولم يصب من الدنيا إلا رزقا قد قسمناه له لا بد أن كان يؤتاه مع إيثار أو غير إيثار.
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: وقوله عز وجل: {مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ} من كان من الأبرار يريد بعمله الصالح ثواب الآخرة {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} أي في حسناته. {وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا} أي من كان من الفجار يريد بعمله الحسن الدنيا {نُؤْتِهِ مِنْها} ثم نسخ ذلك في سبحان: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الاسراء. 18]. والصواب أن هذا ليس بنسخ، لان هذا خبر والأشياء كلها بإرادة الله عز وجل. ألا ترى أنه قد صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت». وقد قال قتادة ما تقدم ذكره، وهو يبين لك أن لا نسخ. وقد ذكرنا في {هود} أن هذا من باب المطلق والمقيد، وأن النسخ لا يدخل في الاخبار. والله المستعان. مسألة: هذه الآية تبطل مذهب أبي حنيفة في قوله: إنه من توضأ تبردا أنه يجزيه عن فريضة الوضوء الموظف عليه، فإن فريضة الوضوء من حرث الآخرة والتبرد من حرث الدنيا، فلا يدخل أحدهما على الآخر، ولا تجزي نيته عنه بظاهر هذه الآية، قاله ابن العربي.


{أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (21)}
قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ} أي ألهم! والميم صلة والهمزة للتقريع. وهذا متصل بقوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً} [الشورى: 13]، وقوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ} [الشورى: 17] كانوا لا يؤمنون به، فهل لهم آلهة شرعوا لهم الشرك الذي لم يأذن به الله! وإذا استحال هذا فالله لم يشرع الشرك، فمن أين يدينون به. {وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ} يوم القيامة حيث قال: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} [القمر: 46]. {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} في الدنيا، فعاجل الظالم بالعقوبة وأثاب الطائع. {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ} أي المشركين. {لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} في الدنيا القتل والأسر والقهر، وفي الآخرة عذاب النار. وقرأ ابن هرمز {وأن} بفتح الهمزة على العطف على {وَلَوْ لا كَلِمَةُ} والفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجواب {لَوْ لا} جائز. ويجوز أن يكون موضع {إِنَّ} رفعا على تقدير: وجب أن الظالمين لهم عذاب أليم، فيكون منقطعا مما قبله كقراءة الكسر، فاعلمه.


{تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)}
قوله تعالى: {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ} أي خائفين {مِمَّا كَسَبُوا} أي من جزاء ما كسبوا. والظالمون ها هنا الكافرون، بدليل التقسيم بين المؤمن والكافر. {وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ} أي نازل بهم. {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ} الروضة: الموضع النزه الكثير الخضرة. وقد مضى في {الروم}. {لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أي من النعيم والثواب الجزيل. {ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} أي لا يوصف ولا تهتدي العقول إلى كنه صفته، لان الحق إذا قال كبير فمن ذا الذي يقدر قدره.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9